التوأم
كان ألمه عظيما أن يفترق عمن أحب بعد أن عاش سنين عشقه الكبير لها محملة بأجمل الأماني والوعود كانت خلالها سببه الوحيد في الحياة.
فلقد خسر والديه باكرا ولم يعرف طعما لدفء بيت أو حنان والدين كما هي حال جميع أقرانه.
وعناية جدته وحنانها على كفاءتها لم يكفه دونها مودة وحبا وحنانا منذ عرفها.
فلقد كانت هي دفيء بيته الذي أمله وكبرياء والده الذي افتقده وصدر أمه الحاني ولمساتها الرقيقة التي اشتهاها... وفوق هذا تلك الصداقة والصدق الذي لم تبخل به عليه والذي لا يمكن لأي مخلوق كان أن يهبه إياه سواها... فلقد كانت حافظة للعهد وكاتمة أسراره بل أكثر من هذا للصداقة والود والحب الكبير الذي كانت تبادله إياه.!
ولقد كان ثباتها في حبها له رغم السنين الصعبة القاسية التي مرت بها تعاند الجميع في قرارها برفض كل من تقدم إليها طالبا يدها للزواج يثير الإعجاب.!؟...كانت خلالها قوية لا تضعف ولا تلين ومدعاة لكل فخر واعتزاز وكبرياء.!؟
ذلك لأنه كان يشكل بالنسبة لها الوجه الآخر الجميل للحياة التي حلمت بها... ولأجل هذا انتظرته سنواته السبعة الطويلة تسانده في خطاباتها وتقف إلى جانبه بكلماتها وتحثه على المضي في علمه وعمله ونجاحه فكانت ملاكه الحارس الذي لا ينام ولا يتعب تتفقده في نهاره وليله.!... لما لا وهي تشعر -منذ أن التقيا لأول مرة- بان كل منهما خلق ويكمل -بطريقة ما- الآخر.
ولم يكن يتصور بان هذا الحب العظيم الذي يجمعهم ممكن أن تفرقه أي من كوارث الأرض مهما بلغت إلا الموت.!؟ بل لقد تجرءا على الموت وتحدوه بوعد غريب لا يصدر إلا عن عقل وقلب متيم خبل.!؟ وهو أن يدفن من يبقى حيا منهما -بعد موت رفيقه- نفسه في القبر ذاته وآلا يفترقا مهما كانت الأسباب.؟...
لأنه كان واثقا ألا يكون هناك أي شيء يمكن أن يقهر حبهم وينتصر عليه.؟...ولم يكن يتصور -وهو يسمع زغاريد النساء يباركونها زفافها لغيره – بان هناك شيئا آخر في هذا الكون يمكن أن يبرر تلك الضربة القاسية المميتة التي وجهتها له في صميم فؤاده لتتركه أشبه بجيفة عفنة تتآكلها الطيور الجارحة بلا رحمة.؟
هاهو يشعر بمناقيرها المدببة الحادة تنهش به ... وهاهو يلمس تلك الجداول الحارة من دمه وقد بدأت تأخذ طريقها بين الشقوق البسيطة المنتشرة في كل زاوية من زوايا هذا الحقل النضر الذي احتضن آماله وأحلامه وحبه لتنتهي بها في مجرى للترعة أرحب راوية الأرض العطشى ببعض منه.!؟
وتسائل وهو يقبض على رأسه بكلتا يديه محاولا أن يمنع تلك الأصوات الشنيعة عن أذنيه إذا ما كانت خيانة من أحب هو ذاك السلاح القاتل الذي لم يحسب حسابه.!
لقد فهم أخيرا سبب انقطاع أخبارها المفاجئ عنه بعد رسالتها المقتضبة الأخيرة له وقد أنهتها بعبارات التمني بالنجاح والتوفيق لأخ عزيز لطالما حلمت به!؟.
والأصوات المضطربة الصاخبة التي بدأت تصل سمعه من جمع غفير تحلقوا حوله لم يلتقط منها إلا عبارات لأسى لم يتوقعها.!... تتأسف على شبابه الضائع في حب فتاة لم تكن سوى أخت له بالرضاعة.!؟
هابته تلك الكلمات الباردة وقد شعر بها تسعى إليه كالأفعى لتطوقه وتزيد الخناق عليه متأهبة للسعه مع فيض أخر منها اشد أذى وإيلاما.!؟؟؟ وتذكر -وقد شعر بالأرض تهتز به والجدران تتقلص حوله- الصورة الوحيدة التي علقت في خياله وذهنه لقبلة وحيدة أهدته إياها وطبعتها على جبينه وهي تقول: ( هذه لأخي الوحيد الذي أحب.!؟ ).
وتحسر آلا يفهم سر تلك القبلة وتلك الكلمة إلا متأخرا.؟